الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الكتاب **
تقول: كلّ أفعل يكون وصفا لا تصرفه في معرفة ولا نكرة وكلّ أفعل يكون اسماً تصرفه في النكرة. قلت: فكيف تصرفه وقد قلت: لا تصرفه. قال لأنّ هذا مثالٌ يمثلَّ به فزعمت أنَّ هذا المثال ما كان عليه من الوصف لم يجر فإن كان اسماً وليس بوصف جرى. ونظير ذلك قولك: كلّ أفعلٍ أردت به الفعل نصبٌ أبدا فإنمَّا زعمت أنَّ هذا البناء يكون في الكلام على وجوه وكان أفعل اسماً فكذلك منزلة أفعل في المسألة الأولى ولو لم تصرفه ثمَّ لتركت أفعل ههنا نصباً فإنَّما أفعل ههنا اسمٌ بمنزلة أفكل. ألا ترى أنَّك تقول: إذا كان هذا البناء وصفاً لم أصرفه. وتقول: أفعل إذا كان وصفاً لم أصرفه. فإنَّما تركت صرفه ههنا كما تركت صرف أفكلٍ إذا كان معرفةً. وتقول: إذا قلت هذا رجلٌ أفعل لم أصرفه على حال وذلك لأنَّك مثلّت به الوصف خاصّة فصار كقولك كلّ أفعل زيد نصبٌ أبداً لأنَّك مثَّلت به الفعل خاصَّة. قلت: فلم لا يجوز أن تقول: كلّ أفعل في الكلام لا أصرفه إذا أردت الذي مثَّلت به الوصف كما أقول: كلّ آدم في الكلام لا أصرفه فقال: لا يجوز هذا لأنَّه لم يستقرِّ أفعل في الكلام صفةً بمنزلة آدم وإنَّما هو مثال. ألا ترى أنَّك لوسميَّت رجلاً بأفعلٍ صرفته في النكرة لأنَّ قولك أفعلٌ لا يوصف به شيء وإنَّما يمَّثل به. وإنَّما تركت التنوين فيه حين مثلَّت به الوصف كما نصبت أفعلاً حين مثلَّت به الفعل. وأفعلٌ لا يعرف في الكلام فعلاً مستعملاً. فقولك: هذا رجلٌ أفعلٌ بمنزلة قولك: أفعل زيدٌ فإذا لم تذكر الموصوف صار بمنزلة أفعل إذا لم يعمل في اسم مظهر ولا مضمر. قلت: فما منعه أن يقول: كلّ أفعل يكون صفةً لا أصرفه يريد الذي مثلَّت به الوصف. فقال: هذا بمنزلة الذي ذكرنا قبل لو جاز هذا لكان أفعل وصفاً بائناً في الكلام غير مثال ولم نكن نحتاج إلى أن أقول: يكون صفة ولكني أقول: لأنَّه صفة كما أنَّك إذا قلت: لا تصرف كلّ آدم في الكلام قلت: لأنه صفة ولا تقول: أردت به الصفة فيرى السائل أن آدم يكون غير صفة لأن آدم الصفة بعنيها. وكذلك إذا قلت: هذا رجلٌ فعلان يكون على وجهين لأنك تقول: هذا إن كان عليه وصفٌ له فعلى لم ينصرف وإن لم يكن له فعلى انصرف. وليس فعلان هنا بوصفٍ مستعمل في الكلام له فعلى ولكنه هاهنا بمنزلة أفعل في قولك: كلّ أفعلٍ كان صفةً فأمره كذا وكذا. ومثله كلّ فعلانٍ كان صفة وكانت له فعلى لم ينصرف. وقولك: كانت له فعلى وكان صفةً يدلّك على أنه مثال. وتقول: كلّ فعلى أو فعلى كانت ألفها لغير التأنيث انصرف وإن كانت الألف جاءت للتأنيث لم ينصرف قلت: كل فعلى أو فعلى فلم ينَّون لأنّ هذا الحرف مثال. فإن شئت أنثته وجعلت الألف للتأنيث وإن شئت صرفت وجعلت الألف لغير التأنيث. وتقول: إذا قلت: هذا رجلٌ فعنلى نّونت لأنك مثلّت به وصف المذكَّر خاّصةً وفعنلى مثل حبنطًى ولا يكون إلاّ منوَّناً ألا ترى أنك تقول: هذا رجلٌ حبنطًى يا هذا. فعلى هذا جرى هذا الباب. وتقول: كلّ فعلى في الكلام لا ينصرف وكلّ فعلاء في الكلام لا ينصرف لأن هذا المثال لا ينصرف في الكلام البتة كما أنك لو قلت: هذا رجل أفعل لم ينصرف لأنك مثلَّته بما لا ينصرف وهي صفة فأفعل صفة كفعلاء. زعم يونس: أنّك إذا سمّيت رجلاً بضارب من قولك: ضارب وأنت تأمر فهو مصروف. وكذلك إن سمّيته ضارب وكذلك ضرب. وهو قول أبي عمرو والخليل وذلك لأنَّها حيث صارت اسماً في موضع الاسم المجرور والمنصوب والمرفوع ولم تجيء في أوائلها الزوائد التي ليس في الأصل عندهم أن تكون في أوائل الأسماء إذا كانت على بناء الفعل غلبت الأسماء عليها إذا أشبهتها في البناء وصارت أوائلها الأوائل التي هي في الأصل للأسماء فصارت بمنزلة ضارب الذي هو اسم وبمنزلة حجرٍ وتابلٍ كما أنَّ يزيد وتغلب يصيران بمنزلة تنضبٍ ويعمل إذا صارت اسماً. وأمّا عيسى فكان لا يصرف ذلك. وهو خلاف قول العرب سمعناهم يصرفون الرجل يسَّمى: كعبساً وإنَّما هو فعل من الكعسبة وهو العدو الشديد مع تداني الخطأ. والعرب تنشد هذا البيت لسحيم بن وثيل اليربوعيّ: ولا نراه على قول عيسى ولكنَّه على الحكاية كما قال: بنى شاب قرناها تصرّ وتحلب كأنه قال: أنا ابن الذي يقال له: جلا. فإن سمّيت رجلاً ضَّرب أو ضرِّب أو ضورب لم تصرف. فأما فعَّل فهو مصروف ودحرج ودحرج لا تصرفه لأنَّه لا يشبه الأسماء. ولا يصرفون خضَّم وهو اسم للعنبر بن عمرو بن تميم. فإن حقرّت هذه الأسماء صرفتها لأنَّها تشبه الأسماء فيصير ضاربٌ وضاربٌ ونحوهما بمنزلة ساعد وخاتم. فكّل اسم يسمى بشيء من الفعل ليست في أوّله زيادة وله مثال في الأسماء انصرف فإن سمّيته باسمٍ في أوله زيادة وأشبه الأفعال لم ينصرف. فهذه جملة هذا كلّه. وإن سميِّت رجلا ببقِّم أو شلَّم وهو بيت المقدس لم تصرفه البتّة لأنه ليس في العربيّة اسمٌ على هذا البناء ولأنه أشبه فعِّلا فهو لا ينصرف إذا صار اسماً لأنه ليس له نظيرٌ في الأسماء لأنَّه جاء على بناء الفعل الذي إنّما هو في الأصل للفعل لا للأسماء فاستثقل فيه ما وإن سميّت رجلاً ضربوا فيمن قال: أكلوني البراغيث قلت: هذا ضربون قد أقبل تلحق النون كما تلحقها في أولي لو سمّيت بها رجلاً من قوله عزّ وجلّ: " أولى أجنحةٍ ". ومن قال: هذا مسلمون في اسم رجل قال: هذا ضربون ورأيت ضربين. وكذلك يضربون في هذا القول. فإن جعلت النون حرف الإعراب فيمن قال هذا مسلمينٌ قلت: هذا ضربينٌ قد جاء. ولو سميّت رجلاً: مسلمينٌ على هذه اللغة لقلت: هذا مسلمينٌ صرفت وأبدلت مكان الواو ياءً لأنَّها قد صارت بمنزلة الأسماء وصرت كأنَّك سميّته بمثل: يبرين. وإنَّما فعلت هذا بهذا حين لم يكن علامةً للإضمار وكان علامةً للجمع كما فعلت ذلك بضربت حين كانت علامةً للتأنيث فقلت هذا ضربة قد جاء. وتجعل التاء هاءً لأنهَّا قد دخلت في الأسماء حين قلت هذه ضربة فوقفت إذا كانت بعد حرف متحّرك قلبت التاء هاءً حين كانت علامة للتأنيث. وإن سميَّته ضرباً في هذا القول ألحقته النون وجعلته بمنزلة رجل سمّى برجلين. وإنمّا كففت النون في الفعل لأنّك حين ثنيت وكانت الفتحة لازمةً للواحد حذفت أيضاً في الاثنين النون ووافق الفتح في ذاك النصب في اللفظ فكان حذف النون نظير الفتح كما كان الكسر في هيهات نظير الفتح في: هيهات. وإن سمّيت رجلاً بضربن أو يضربن لم تصرفه في هذا لأنه ليس له نظيرٌ في الأسماء لأنَّك إن جعلت النون علامةً للجمع فليس في الكلام مثل: جعفرٍ فلا تصرفه. وإن جعلته علامةً للفاعلات حكيته. فهو في كلا القولين لا ينصرف. فمنعه ذلك من الانصراف في المعرفة والنكرة وما لحقته الألف فانصرف في النكرة ولم ينصرف في المعرفة أمّا لا ينصرف فيهما فنحو: حبلى وحبارى وجمزى ودفلى وشروى وغضبى. وذاك أنَّهم أرادوا أن يفرقوا بين الألف التي تكون بدلاً من الحرف الذي هو من نفس الكلمة والألف التي تلحق ما كان من بنات الثلاثة ببنات الأربعة وبين هذه الألف التي تجيء للتأنيث. فأمّا ذفرى فقد اختلفت فيها العرب فيقولون: هذه ذفرىً أسيلةٌ ويقول بعضهم: هذه ذفرى أسيلةٌ وهي أفلّهما جعلوها تلحق بنات الثلاثة ببنات الأربعة كما أن واو جدولٍ بتلك المنزلة. وكذلك: تترى فيها لغتان. وأما معزّى فليس فيها إلاّ لغة واحدة تنوَّن في النكرة. وكذلك: الأرطى كلهم يصرف. وتذكيره مما يقوّى على هذا التفسير. وكذلك: العلقى. ألا ترى أنَّهم إذا أنّثوا قالوا: علقاةٌ وأرطاةٌ لأنهما ليستا ألفى تأنيث. وحبنطًى بهذه المنزلة إنّما جاءت ملحقة بجعفلٍ. وكينونته وصفاً للمذكَّر يدلّك على ذلك ولحاق الهاء في المؤنث. وكذلك قبعثرّى لأنك لم تلحق هذه الألف للتأنيث. ألا ترى أنك تقول: قبعثراةٌ وإنمّا هي زيادة لحقت بنات الخمسة كما لحقتها الياء في قولك: دردبسٍ. وبعض العرب يؤّنث العلقى فينزِّلها منزلة: البهمى يجعل الألف للتأنيث. وقال العجاج. يستنّ في علقى وفي مكور فلم ينونّه. وإنما منعهم من صرف: دفلى وشروى ونحوهما في النكرة أنّ ألفهما حرف يكسَّر عليه الاسم إذا قلت: حبالى وتدخل تاء التأنيث لمعنًى يخرج منه ولا تلحق به أبداً بناءً ببناء كما فعلوا ذلك بنون رعشنٍ وبتاء سنبته وعفريت. ألا تراهم قالوا: جمزىً فبنوا عليها الحرف فتوالت فيه ثلاث حركات وليس شيء يبنى على الألف التي لغير التأنيث نحو نون رعشنٍ توالى فيه ثلاث حركات فيما عدتّه أربعة أحرف لأنَّها ليست من الحروف التي تلحق بناءً ببناءً وإنّما تدخل لمعنى فلمّا بعدت من حروف الأصل تركوا صرفها كما تركوا صرف مساجد حيث كسّروا هذا البناء على ما لا يكون عليه الواحد. وأما موسى وعيسى فإنهما أعجميان لا ينصرفان في المعرفة وينصرفان في النكرة أخبرني بذلك من أثق به. وموسى مفعل وعيسى فعلى والياء فيه ملحقة ببنات الأربعة بمنزلة ياء معزى. وموسى الحديد مفعل ولو سميت بها رجلاً لم تصرفها لأنها مؤنثة بمنزلة معزى إلا أن الياء في موسى من نفس الكلمة. وذلك نحو حمراء وصفراء وخضراء وصحراء وطرفاء ونفساء وعشراء وقوباء وفقهاء وسابياء وحاوياء وكبرياء. ومثله أيضاً: عاشوراء ومنه أيضاً: أصدقاء وأصفياء. ومنه زمكاَّء وبروكاء وبراكاء ودبوقاء وخنفساء وعنظباء وعقرباء وزكرياَء. فقد جاءت في هذه الأبنية كلَّها للتأنيث. والألف إذا كانت بعد ألف مثلها إذا كانت وحدها إلاّ أنَّك همزت الآخرة للتحريك لأنّه لا ينجزم حرفان فصارت الهمزة التي هي بدلٌ من الألف بمنزلة الألف لو لم تبدل وجرى عليها ما كان يجري عليها إذا كانت ثابتة كما صارت الهاء في هراق بمنزلة الألف. واعلم أن الألفين لا تزادان أبداً إلا للتأنيث ولا تزادان أبداً لتلحقا بنات الثلاثة بسرداحٍ ونحوها. ألا ترى أنك لم ترقطّ فعلاء مصروفةً ولم نر شيئاً من بنات الثلاثة فيه ألفان زائدتان مصروفاً. فإن قلت: فما بال علباءٍ وحرباء فإ َّ هذه الهمزة التي بعد الألف إنمّا هي بدل من ياءٍ كالياء التي في درحايةٍ وأشباهها وإنَّما جاءت هاتان الزائدتان هنا لتلحقا علباء وحرباء بسرداحٍ وسربالٍ. ألا ترى أن هذه الألف والياء لا تلحقان اسماً فيكون أوّله مفتوحاً لأنه ليس في الكلام مثل سرداحٍ ولا سربالٍ وإنما تلحقان لتجعلا بنات الثلاثة على هذا المثال والبناء فصارت هذه الياء بمنزلة ما هو من نفس الحرف ولا تلحق ألفان للتأنيث شيئاً فتلحقا هذا البناء به ولا تلحق ألفان للتأنيث شيئاً على ثلاثة أحرف وأول الاسم مضموم أو مكسور وذلك لأنَّ هذه الياء والألف إنّما تلحقان لتبلغا بنات الثلاثة بسرداحٍ وفسطاط لا تزادان ههنا إلاّ لهذا فلم تشركهما الألفان اللتان للتأنيث كما لم تشركا الألفين في مواضعهما وصار هذا الموضع ليس من المواضع التي تلحق فيها الألفان اللّتان للتأنيث وصار لهما إذا جاءتا للتأنيث أبنية لا تلحق فيها واعلم أنَّ من العرب من يقول: هذا قوباءٌ كما ترى وذلك لأنهم أرادوا أن يلحقوه ببناء فسطاط والتذكير يدلّك على ذلك والصرف. وأما غوغاء فمن العرب من يجعلها بمنزلة عوراء فيؤنث ولا يصرف ومنهم من يجعلها بمنزلة قضقاضٍ فيذكّر ويصرف ويجعل الغين والواو مضاعفتين بمنزلة القاف والضاد. ولا يجيء على هذا البناء إلاّ ما كان مردَّداً. والواحدة غوغاء.
وذلك نحو: عطشان وسكران وعجلان وأشباهها. وذلك أنهم جعلوا النون حيث جاءت بعد ألف كألف حمراء لأنها على مثالها في عدَّة الحروف والتحرك والسكون وهاتان الزائدتان قد اختصّ بهما المذكّر. ولا تلحقه علامة التأنيث كما أن حمراء لم تؤنَّث على بناء المذكَّر. ولمؤنث سكران بناءٌ على حدةٍ كما كان لمذكَّر حمراء بناءٌ على حدة. فلمّا ضارع فعلاء هذه المضارعة وأشبهها فيما ذكرت لك أجرى مجراها. التي في نحو: بشرى وما أشبهها وذلك كلّ نون لا يكون في مؤنثها فعلى وهي زائدةٌ وذلك نحو: عريانٍ وسرحانٍ وإنسانٍ. يدلك على زيادته سراحٍ فإنما أرادوا حيث قالوا: سرحانٌ أن يبلغوا به باب سرداحٍ كما أرادوا أن يبلغوا بمعزى باب هجرعٍ. ومن ذلك: ضبعانٌ. يدلَّك على زيادته قولك: الضَّبع والضبِّاع أشباه هذا كثير. وإنما تعتبر أزيادة هي أم غير زيادة بالفعل أو الجمع أو بمصدر أو مؤنث نحو: الضَّبع وأشباه ذلك. وإنما دعاهم إلى أن لا يصرفوا هذا في المعرفة أنّ آخره كآخر ما لا ينصرف في معرفة ولا نكرة فجعلوه بمنزلته في المعرفة كما جعلوا أفكلاً بمنزلة ما لا يدخله التنوين في معرفة ولا نكرة. وذلك أفعل صفةً لأنه بمنزلة الفعل وكان هذه النون بعد الألف في الأصل لباب فعلان الذي له فعلى كما كان بناء أفعل في الأصل للأفعال فلما صار هذا الذي ينصرف في النكرة في موضع يستثقل فيه التنوين جعلوه بمنزلة ما هذه الزيادة له في الأصل. فإذا حقّرت سرحان اسم رجل فقلت: سريحينٌ صرفته لأن آخره الآن لا يشبه آخر غضبان لأنّك تقول في تصغير غضبان: غضيبان ويصير بمنزلة غسليٍن وسنينٍ فيمن قال: هذه سنينٌ كما ترى. ولو كنت تدع صرف كل نون زائدة لتركت صرف رعشنٍ ولكنك إنَّما تدع صرف ما آخره كآخر غضبان كما تدع صرف ما كان على مثال الفعل إذا كانت الزيادة في أوله. فإذا قلت: إصليت صرفته لأنه لا يشبه الأفعال فكذلك صرفت هذا لأن آخره لا يشبه آخر غضبان إذا صغّرته. وهذا قول أبي عمروٍ والخليل ويونس. وإذا سميّت رجلاً: طّحان أو سمّان من السمن أو تبّان من الّتبن صرفته في المعرفة والنكرة لأنها نونٌ من نفس الحرف وهي بمنزلة دال حمّاد. وسألته: عن رجل يسَّمى: دهقان فقال: إن سميَّته من التَّدهقن فهو مصروف. وكذلك: شيطان إن أخذته من التشيَّطن. فالنون عندنا في مثل هذا من نفس الحرف إذا كان له فعل يثبت فيه النون. وإن جعلت دهقان من الدَّهق وشيطان من شيَّط لم تصرفه. وسألت الخليل: عن رجل يسّمى مرّاناً فقال: أصرفه لأنَّ المرّان إنما سمِّى للينه فهو فعّالٌ كما يسمَّى الحمّاض لحموضته. وإنَّما المرانة اللّين. وسألته: عن رجل يسَّمى فيناناً فقال: مصروف لأنَّه فيعالٌ وإنّما يريد أن يقول لشعره فنونٌ كأفنان الشجر. وسألته: عن ديوانٍ فقال: بمنزلة قيراطٍ لأنَّه من دوّنت. ومن قال ديوانٌ فهو بمنزلة بيطار. وسألته: عن رمّان فقال: لا أصرفه وأحمله على الأكثر إذا لم يكن له معنى يعرف. وسألته: عن سعدان والمرجان فقال: لا أشكّ في أن هذه النون زائدة لأنه ليس في الكلام مثل: سرداحٍ ولا فعلالٌ إلاّ مضعَّفاً. وتفسيره كتفسير عريان وقصّته كقصتّه. فلو جاء شيء في مثال: جنجانٍ لكانت النون عندنا بمنزلة نون مرّان إلاّ أن يجيء أمر بيِّن أو يكثر في كلامهم فيدعوا صرفه فيعلم أنَّهم جعلوها زائدة كما قالوا: غوغاء فجعلوها بمنزلة: عوراء. فلَّما لم يريدوا ذلك وأرادوا أن لا يجعلوا النون زائدة صرفوا كما أنَّه لو كان خضخاضٌ لصرفته وقلت: ضاعفوا هذه النون. فإن سمعناهم لم يصرفوا قلنا: لم يريدوا ذلك يعنى التضعيف وأرادوا نوناً زائدة يعنى في: جنحان. وإذا سميّت رجلاً: حبنطى أو علقى لم تصرفه في المعرفة وترك الصرف فيه كترك الصرف في: عريان وقصتَّه كقصتّه. وأمّا علباءٌ وحرباء اسم رجل فمصروف في المعرفة والنكرة من قبل أنَّه ليست بعد هذه الألف نون فيشَّبه آخره بآخر غضبان كما شبّه آخر علقى بآخر شروى. ولا يشبه آخر حمراء لأنه بدلٌ من حرفٍ لا يؤنَّث به كالألف وينصرف على كلّ حال فجرى عليه ما جرى على ذلك الحرف وذلك الحرف بمنزلة الياء والواو اللّتين من نفس الحرف. وسألته عن تحقير علقى اسم رجل فقال: أصرفه كما صرفت سرحان حين حقّرته لأنَّ آخره حينئذ لا يشبه آخر ذفرى. وأمّا معزى فلا يصرف إذا حقرّتها اسم رجل من أجل التأنيث. ومن العرب من يؤنّث علقى فلا ينوِّن. وزعموا أنَّ ناساً يذكِّرون معزًى زعم أبو الخطّاب أنهى سمعهم يقولون: ومعزىّ هدباً يعلو قران الأرض سودانا ونظير ذلك قول اّلله عّز وجلَّ: " واللهّ يشهد إنَّ المنافقين لكاذبون " وقال عّز وجلَّ: " فشهادة أحدهم أربع شهاداتٍ باّلله إنَّه لمن الصَّادقين " لأنّ هذا توكيدُ كأنّه قال: يحلف باللّه إنه لمن الصادقين. وقال الخليل: أشهد بأنّك لذاهبُ غير جائز من قبل أنَّ حروف الجرّ لا تعَّلق. وقال: أقول أشهد إنه لذاهبٌ وإنهّ لمنطلق أتبع آخره أولّه. وإن قلت: أشهد أنّه ذاهبُ وإنه لمنطلقُ. لم يجز إلاَّ الكسر في الثاني لأن اللام لا تدخل أبدا على أنَّ وأن محمولةُ على ما قبلها ولا تكون إّلا مبتدأةً باللام. ومن ذلك أيضاً قولك: قد علمت إنّه لخير منك. فإنَّ ههنا مبتدأةُ وعلمت ههنا بمنزلتها في قولك: لقد علمت أيّهم أفضل معلقةَّ في الموضعين جميعاً. وهذه اللام تصرف إنَّ إلى لابتداء كما تصرف عبد اللّه إلى الابتداء إذا قلت قد علمت لعبد اللّه خيرُ منك فعبد اّلله هنا بمنزلة إنَّ في أنه يصرف إلى الابتداء. ولو قلت: قد علمت أنّه لخيرُ منك لقلت: قد علمت لزيداً خيراً منك ورأيت لعبد اّلله هو الكريم فهذه اللام لا تكون مع أنَّ ولا عبد اّلله إلاَّ وهما مبتدءان. ونظير ذلك قوله عزّ وجل: " ولقد علموا لمن اشتراه ما له في الآخرة من خلاقٍ " فهو ههنا مبتدأ. ونظير إنَّ مكسورةً إذا لحقتها اللام قوله تعالى: " ولقد علمت الجنةَّ إنَّهم لمحضرون " وقال أيضاً: " هل ندلكم على رجلٍ ينبئِّكم إذا مزّقتم كلَّ ممزَّقٍ إنَّكم لفي خلق جديد " فإنكم ههنا بمنزلة أيّهم إذا قلت: ينبئهم أيّهم أفضل. وقال الخليل مثله: إنَّ اللّه يعلم ما تدعون من دونه من شيء فما ههنا بمنزلة أيّهم ويعلم معلقة. قال الشاعر: ألم تر إنّي وابن أسود ليلةً ** لنسري إلى نارين يعلو سناهما اعلم أن كلّ هاء كانت في اسم للتأنيث فإنّ ذلك الاسم لا ينصرف في المعرفة وينصرف في قلت: فما باله انصرف في النكرة وإنما هذه للتأنيث هلاّ ترك صرفه في النكرة كما ترك صرف ما فيه ألف التأنيث قال: من قبل أن الهاء ليست عندهم في الاسم وإنّما هي بمنزلة اسم ضمَّ إلى اسم فجعلا اسما واحداً نحو: حضرموت. ألا ترى أنًّ العرب تقول في حبارى: حبيرًّ وفي جحجبى: جحيجب ولا يقولون في دجاجةٍ إلا دجيجة ولا في قرقرة إًّلا قريقرة كما يقولون في حضرموت وفي خمسة عشر: خميسة عشر فجعلت هذه الهاء بمنزلة هذه الأشياء. ويدلّك على أنًّ الهاء بهذه المنزلة أنّها لم تلحق بنات الثلاثة ببنات الأربعة قّط ولا الأربعة بالخمسة لأنًّها بمنزلة: عشر وموت وكرب في معد يكرب. وإنما تلحق بناء المذكرّ ولا يبنى عليها الاسم كالألف ولم يصرفوها في المعرفة كما يصرفوا معد يكرب ونحوه. وسأبيّن ذلك إن شاء الله. البّتة مما ليس في آخره حرف التأنيث كلَّ مذكّر سّمى بثلاثة أحرف ليس فيه حرف التأنيث فهو مصروف كائناً ما كان أعجميّا أو عربيّا أو مؤنّثا إَّلا فعل مشتقاًّ من الفعل أو يكون في أوّله زيادة فيكون كيجد ويضع أو يكون كضرب لا يشبه الأسماء وذلك أن المذكّر أشدّ تمكّنا فلذلك كان أحمل للتنوين فاحتمل ذلك فيما كان على ثلاثة أحرف لأنَّه ليس شيء من الأبنية أقلُّ حروفا منه فاحتمل التنوين لخفته ولتمكّنه في الكلام. ولو سمّيت رجلا قدماً أو حشاً صرفته. فإن حّقرته قلت: قد بمٌ فهو مصروف وذلك لاستخفافهم هذا التحقير كما استخفّوا الثلاثة لأنَّ هذا لا يكون إَّلا تحقير أقلَّ العدد وليس محقَّر أقلُّ حروفا منه فصار كغير المحَّقر الذي هو أقُّل ما كان غير محَّقر حروفا. وهذا قول العرب والخليل ويونس. واعلم أن كلّ اسم لا ينصرف فإن الجرّ يدخله إذا أضفته أو أدخلت فيه الألف واللام وذلك أنَّهم أمنوا التنوين وأجروه مجرى الأسماء. وقد أوضحته في أوّل الكتاب بأكثر من هذا وإن سمّيت رجلا ببنت أو أخت صرفته لأنك بنيت الاسم على هذه التاء وألحقها ببناء الثلاثة كما ألحقوا: سنبتةً بالأربعة. ولو كانت كالهاء لما أسكنوا الحرف الذي قبلها إنما هذه التاء فيها كتاء عفريتٍ ولو كانت كألف التأنيث لم ينصرف في النكرة. وليست كالهاء لما ذكرت لك وإنَّما هذه زيادة في الاسم بني عليها وانصرف في المعرفة. ولو أنَّ الهاء التي في دجاجة كهذه التاء انصرف في المعرفة. وأن سمَّيت رجلاً بهنه وقد كانت في الوصل هنتٌ قلت هنة يا فتى تحرّك النون وتثبت الهاء لأنّك لم تر مختصًّا متمكنِّا على هذه الحال التي تكون عليها هنة قبل أن تكون اسماً تسكن النون في الوصل وذا قليل. فإن حوّلته إلى الاسم لزمه القياس. وإن سّميت رجلاً ضربت قلت: هذا ضربه لأنه لا يحرَّك ما قبل هذه التاء فتوالى أربع حركات وليس هذا في الأسماء فتجعلها هاء وتحملها على ما فيه هاء التأنيث. اعلم أنَّ كل فعلٍ كان اسما معروفا في الكلام أو صفةً فهو مصروف. فالأسماء نحو: صردٍ وجعلٍ وثقبٍ وحفرٍ إذا أردت جماع الحفرة والثقُّبة. وأمّا الصفات فنحو قولك: هذا رجل حطم. قال الحطم القيسىّ: قد لفَّها الليل بسواقٍ حطمٌ فإنما صرفت ما ذكرت لك لأنه ليس باسمٍ يشبه الفعل الذي في أوّله زيادة وليست في آخره زيادة تأنيث وليس بفعل لا نظير له في الأسماء فصار ما كان منه اسماً ولم يكن جمعاً بمنزلة حجر ونحوه وصار ما كان منه جمعاً بمنزلة كسرٍ وإبرٍ. وأمّا عمر وزفر فإنما منعهم من صرفهما وأشباههما أنَّهما ليسا كشيء مما ذكرنا وإنما هما محدودان عن البناء الذي هو أولى بهما وهو بناؤهما في الأصل فلمّا خالفا بناءهما في الأصل تركوا صرفهما وذلك نحو: عامرٍ وزافرٍ. ولا يجيء عمر وأشباهه محدوداً عن البناء الذي هو أولى به إلا وذلك البناء معرفة. كذلك جرى في الكلام. فإن قلت: عمرٌ آخر صرفته لأنه نكرة فتحول عن موضع عامرٍ معرفةً. وإن حقَّرته صرفته لأنّ فعيلاً لا يقع في كلامهم محدوداً عن فويعلٍ وأشباهه كما لم يقع فعلٌ نكرة محدوداً عن عامرٍ فصار تحقيره كتحقير عمرٍو كما صارت نكرته كصردٍ وأشباهه. وهذا قول الخليل. وزحل معدول في حالةٍ إذا أردت اسم الكوكب فلا ينصرف. وسالته عن جمع وكتع فقال: هما معرفة بمنزله كلُّهم وهما معدولتان عن جمع جمعاء وجمع كتعاء وهما منصرفان في النكرة. وسألته عن صغر من قوله: الصغرى وصغر فقال: اصرف هذا في المعرفة لأنه بمنزلة: ثقبةٍ وثقبٍ ولم يشبهَّ بشيء محدود عن وجهه. قلت: فما بال أخر لا ينصرف في معرفة ولا نكرة فقال: لأن أخر خالفت أخواتها وأصلها وإنما هي بمنزلة: الطوّل والوسط والكبر لا يكنَّ صفةً إلا وفيهن ألف ولام فتوصف بهنَّ المعرفة. ألا أنك لا تقول: نسوةٌ صغرٌ ولا هؤلاء نسوةٌ وسطٌ ولا تقول: هؤلاء قوم أصاغر. فلما خالفت الأصل وجاءت صفة بغير الألف واللام تركوا صرفها كما تركوا صرف لكع حين أرادوا يا ألكع وفسق حين أرادوا يا فاسق. وترك الصرف في فسق هنا لأنه لا يمكن بمنزلة يا رجل للعدل. فإن حقرت أخر اسم رجل صرفته لأن فعيلاً لا يكون بناءً لمحدد عن وجهه فلمّا حقَّرت غيّرت البناء الذي جاء محدوداً عن وجهه. وسألته عن أحاد وثناء ومثنى وثلاث ورباع فقال: هو بمنزلة أخر إنما حدُّه واحداً واحداً واثنين اثنين فجاء محدوداً عن وجهه فترك صرفه. قلت أفتصرفه في النكرة قال: لا لأنه نكرة يوصف به نكرة وقال لي: قال أبو عمرو: " أولي أجنحةٍ مثنى وثلاث ورباع " صفة كأنك قلت: أولي أجنحة اثنين اثنين وثلاثةٍ ثلاثةٍ. وتصديق قول أبي عمروٍ وقول ساعدة بن جؤية: وعاودني ديني فبتُّ كأنَّما خلال ضلوع الصَّدر شرعٌ ممدَّد. ثم قال: ولكنَّما أهلي بوادٍ أنيسه ذئابٌ تبغَّى الناس مثنى وموحد. فإذا حَّقرت ثناء وأحاد صرفته كما صرفت أخيراً وعميراً تصغير عمر وأخر إذا كان اسم رجل لأنَّ هذا ليس هنا من البناء الذي يخالف به الأصل. فإن قلت: ما بال قال صرف اسم رجل وقيل التي هي فعل وهما محدودان عن البناء الذي هو الأصل فليس يدخل هذا على أحد في هذا القول من قبل أنك خّففت فعل وفعل نفسه كما خفّفت الحركة من علم وذلك من لغة بني تميم فتقول: علم كما حذفت الهمزة من يرى ونحوها فلَّما خفَّت وجاءت على مثال ما هو في الأسماء صرفت. وأمَّا عمر فليس محذوفا من عامرٍ كما أنّ ميتاً محذوف من مّيتٍ ولكنه اسمٌ بني من هذا اللفظ وخولف به بناء الأصل. يدّلك على ذلك: أن مثنى ليس محذوفاً من اثنين. وإن سّميت رجلا ضرب ثم خّففته فأسكنت الراء صرفته لأنك قد أخرجته إلى مثال ما ينصرف كما صرفت قيل وصار تخفيك لضرب كتحقيرك إيَّاه لأنَّك تخرجه إلى مثال الأسماء. ولو تركت صرف هذه الأشياء في التخفيف للعدل لما صرفت اسم هارٍ لأنه محذوف من هائرٍ. اعلم أنه ليس شيءٌ يكون على هذا المثال إلاَّّ لم ينصرف في معرفة ولا نكرة. وذلك لأنه ليس شيء يكون واحداً يكون على هذا من البناء والواحد الذي هو أشدُّ تمكنا وهو الأول فلما لم يكن هذا من بناء الواحد هو أشد تمكناً وهو الأول تركوا صرفه إذ خرج من بناء الذي هو أشدّ تمكنا. وإنّما صرفت مقاتلاً وعذافراً لان هذا المثال يكون للواحد. قلت: فما بال ثمان لم يشبه: صحارى وعذارى قال: الياء في ثماني ياء الإضافة أدخلتها على فعال كما أدخلتها على يمانٍ وشآمٍ فصرفت الاسم إذ خفَّفت كما إذ ثقلت يمانيٌّ وشآميٌّ. وكذلك: رباٍع فإنَّما ألحقت هذه الأسماء ياءات الإضافة. قلت: أرأيت صياقلةً وأشباهها لم صرفت قال: من قبل أن هذه الهاء إنَّما ضُّمت إلى صياقل كما ضمت موت إلى حضر وكرب إلى معدي في قول من قال: معد يكرب. وليست الهاء من الحروف التي تكون زيادةً في هذا البناء كالياء والألف في صياقلةٍ وكالياء ةالألف اللتين يبنى بهما الجميع إذا كّسرت الواحد ولكنَّها إنَّما تجيء مضمومة إلى هذا البناء كما تضم ّياء الإضافة إلى مدائن ومساجد بعد ما يفرغ من البناء فتلحق ما فبه الهاء من نحو: صياقلةٍ باب طلحةٍ وتمرةٍ كما تلحق هذا بباب تميمىٍّ وقيسىٍّ يعني قولك مدائنيٌّ ومساجديٌّ فقد أخرجت هذه الياء مفاعيل ومفاعل إلى باب تميمي كما أخرجته الهاء إلى باب طلحةٍ. ألا ترى أنَّ الواحد تقول له: مدائنىٌّ فقد صار يقع للواحد ويكون من أسمائه. وقد يكون هذا المثال للواحد نحو: رجلٍ عباقيةٍ فلما لحقت هذه الهاء لم يكن عند العرب مثل البناء الذي ليس في الأصل للواحد ولكنه صار عندهم بمنزلة اسم ضمّ إليه فجعل اسماً واحداً فقد تغير بهذا عن حاله كما تغيَّر بياء الإضافة. ويقول بعضهم: جندلٌ وذلذلٌ يحذف ألف جنادل وذلاذل وينونون يجعلونه عوضاً من هذا المحذوف. واعلم أنَّك إذا سميت رجلا مساجد ثم حقَّرته صرفته لأَّنك قد حوّلت هذا البناء. وإن سمّيته حضاجر ثم حقَّرته صرفته لأنها إنّما سِّميت بجمع الحضجر سمعنا العرب يقولون: أوطبٌ حضاجر. وإنَّماجعل هذا اسما لضَّبع لسعة بطنها. وأمّا سراويل فشيءٌ واحد وهو أعجميّ أعرب كما أعرب الآجرُّ إَّلا أنَّ سراويل أشبه من كلامهم مالا ينصرف في نكرة ولا معرفة كما أشبه بقَّم الفعل ولم يكن له نظير في الأسماء. فإن حقّرتها اسم رجل لم تصرفها كما لا تصرف عناق اسم رجل. وأمّا شراحيل فتحقيره ينصرف لأنَّه عربيٌّ ولا يكون إَّلا جماعا. وأمّا أجمالٌ وفلوس ق فإنها تنصرف وما اشبهها ضارعت الواحد. ألا ترى أنك تقول: أقوالٌ وأقاويل وأعرابٌ وأعاريب وأيدٍ وأيادٍ. فهذه الأحرف تخرج إلى مثال مفاعل ومفاعيل إذا كسّر للجميع كما يخرج إليه وأمّا مفاعل ومفاعيل فلا يكسّر فيخرج الجمع إلى بناء غير هذا لأن هذا البناء هو الغاية فلمّا ضارعت الواحد صرفت كما أدخلوا الرفع والنصب في يفعل حين ضارع فاعلاً وكما ترك صدف افعل حين ضارع الفعل. وكذلك الفعول لو كسّرت مثل الفلوس لان تجمع جمعا لأخرج إلى فعائل كما تقول: جدودٌ وجدائد وركوب وركائب. ولو فعلت ذلك بمفاعل ومفاعيل لم تجاوز هذا ويقوَّي ذلك أنَّ بعض العرب يقول: أتيٌ للواحد فيضمُّ الألف. وأما أفعالٌ فقد يقع للواحد من العرب من يقول: هو الأنعام. وقال الله عز وجل " نسقيكم مما في بطونه ". وقال أبو الخطاب: سمعت العرب يقولون: هذا ثوبٌ أكياشٌ ويقال: سدوسٌ لضرب من الثياب كما تقول: جدورٌ. ولم يكسَّر عليه شيء كالجلوس والقعود. وأمّا بخاتيُّ فليس بمنزلة مدائنيٍّ لأنك لم تلحق هذه الياء بخاتٍ للإضافة ولكنها التي كانت في الواحد إذا كّسرته للجمع فصارت بمنزلة الياء في حذريةٍ إذا قلت حذارٍ وصارت هذه الياء كدال مساجد لأنهَّا جرت في الجمع مجرى هذه الدال لأنَّك بنيت الجمع بها ولم تلحقها بعد فراغ من بنائها. وقد جعل بعض الشعراء ثماني بمنزلة حذارٍ. حدّثني أبو الخطَّاب أنَّه سمع العرب ينشدون هذا البيت غير منوَّن قال: يحدو ثماني مولعاً بلقاحها حتَّى هممن بزيغة الإرتاج وإذا حقَّرت بخاتيَّ اسم رجل صرفته كما صرفت تحقير مساجد. وكذلك صحارٍ فيمن قال: صحيرٌ لأنه ليس ببناء جمع. وأمّا ثمانٍ إذا سمّيت به رجلا فلا تصرف لانها واحدة كعناقٍ. وصحارٍ جماعٌ كعنوقٍ فإذا ذهب ذلك البناء صرفته. وياء ثمانٍ كياء قمريٍّ وبختىٍّ لحقت كلحاق ياء يمانٍ وشآمٍ وإن لم يكن فيهما معنى إضافة إلى بلد ولا إلى أب كما لم يك ذلك في بختيٍّ. ورباعٍ بمنزلته وأجري مجري سداسيٍ. وكذلك حواريٌ. وأما عواريُّ وعواديَّ وحواليٌّ فإنه كسر عليه حولي وعادي وعاريّةٌ وليست ياءً لحقت حوالٍ. فإذا سميَّت رجلا برجلين فإن أقيسه وأجوده أن تقول: هذا رجلان ورأيت رجلين ومررت برجلين كما تقول: هذا مسلمون ورأيت مسلمين. ومررت بمسلمين. فهذه الياء والواو بمنزلة الياء والألف. ومثل ذلك قول العرب: هذه قنَّسرون وهذه فلسطون. ومن النحويين من يقول: هذا رجلان كما ترى يجعله بمنزلة عثمان. وقال الخليل: من قال هذا قال: مسلمينٌ كما ترى جعله بمنزلة قولهم: سنينٌ كما ترى وبمنزلة قول بعض العرب: فلسطينٌ وقنَّسرينٌ كما ترى. فإن قلت: هل تقول: هذا رجلينٌ تدع الياء كما تركتها في مسلمين فإنهّ إنّما منعهم من ذلك أنّ هذه لا تشبه شيئاً من الأسماء في كلامهم ومسلمينٌ مصروف كما كنت صارفاً سنياً. وقال في رجل اسمه مسلماتٌ أو ضرباتٌ: هذا ضرباتٌ كما ترى ومسلماتٌ كما ترى. وكذلك المرأة لو سمّيتها بهذا انصرفت. وذلك أن هذه التاء لما صارت في النصب والجرّ جرّاً أشبهت عندهم الياء التي في مسلمين والياء التي في رجلين وصار التنوين بمنزلة النون. ألا ترى إلى عرفاتٍ مصروفةً في كتاب الله عز وجلَّ وهي معرفةٌ. الدَّليل على ذلك قول العرب: هذه عرفاتٌ مباركاً فيها. ويدلك أيضا على معرفتها أنك لا تدخل فيها ألفا ولاما وإنّما عرفاتٌ بمنزلة أبانين وبمنزلة جمع. ومثل ذلك أذرعاتٌ سمعنا أكثر العرب يقولون في بيت امرئ القيس: ولو كانت عرفات نكرة لكانت إذاً عرفات في غير موضع. ومن العرب من لا ينوّن أذرعات ويقول: هذه قريشيّات كما ترى شبهوها بهاء التأنيث لأن الهاء تجئ للتأنبث ولا تلحق بنات الثلاثة بالأربعة ولا الأربعة بالخمسة. فإن قلت: كيف تشبهها بالهاء وبين التاء وبين الحرف المتحرك ألف فإنّ الحرف الساكن ليس عندهم بحاجز حصين فصارت التاء كأنِّها ليس بينها وبين الحرف المتحرك شيء. ألا ترى أنِّك تقول: اقتل فتتبع الألف التاء كأنها ليس بينها شيء وسترى أشباه ذلك إن شاء الله مما يشبَّه بالشيء وليس مثله في كل شيء. ومنه ما قد مضى هذا باب الأسماء الأعجمية اعلم أن كلَّ اسم أعجمي أعرب وتمكّن في الكلام فدخلته الألف واللام وصار نكرة فإنك إذا سمّيت به رجلا صرفته إَّلا أن يمنعه من الصرف ما يمنع العربيّ. وذلك نحو: اللجّام والدّيباج واليرندج والنَّيروز والفرند والزَّنجبيل والأرندج والياسمين فيمن قال: ياسمينٌ كما ترى والسّهريز والآجرّ فإن قلت: أدع صرف الآجرّ لأنه لا يشبه شيئاً من كلام العرب فإنه قد أعرب وتمكّن في الكلام وليس بمنزلة شيء ترك صرفه من كلام العرب لأنَّه لا يشبه الفعل وليس في آخره زيادة وليس من نحو عمر وليس بمؤنث وإنمَّا هو بمنزلة عربيٍّ ليس له ثلنٍ في كلام العرب نحو إبل وكدت تكاد وأشباه ذلك وأمّا إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب وهرمز وفيروز وقارون وفرعون وأشباه هذه الأسماء فإنَّها لم تقع في كلامهم الا معرفة على حد ما كانت في كلام العجم ولم تمكن في كلامهم كما تمكنّ الأوّل ولكنها وقعت معرفة ولم تكن من أسمائهم العربيَّة فاستنكروها ولم يجعلوها بمنزلة أسمائهم العربية: كنهشلٍ وشعثمٍ ولم يكن شيء منها قبل ذلك اسماً يكون لكل شيء من أمةٍ. فلمّا لم يكن فيها شيء من ذلك استنكروها في كلامهم. وإذا حقّرت اسماً من هذه الأسماء فهو على عجمته كما ان العناق إذا حقّرتها اسم رجل كانت على تأنيثها. وأما صالحٌ فعربيّ وكذلك شعيبٌ. وأمّا نوحٌ وهودٌ ولوطٌ فتنصرف على كل حال لخفتها. اعلم أن كل مذكّر سّميته مؤنّث على أربعة أحرف فصاعداً لم ينصرف. وذلك أن أصل المذكّر عندهم أن يسمى بالمذكر وهو شكله والذي يلائمه فلما عدلوا عنه ما هو له في الأصل وجاءوا بما لا يلائمه ولم يكن منه فعلوا ذلك به كما فعلوا ذلك بتسميتهم إيَّاه بالمذكر وتركوا صرفه كما تركوا صرف الأعجمي. فمن ذلك: عناق وعقرب وعقاب وعنكبوت وأشباه ذلك. وسالته: عن ذراع فقال: ذراعٌ كثر تسميتهم به المذكّر وتمكّن في المذكّر وصار من أسمائه خاصَّة عندهم ومع هذا أنهَّم يصفون به المذكر فيقولن: هذا ثوبٌ ذراعٌ. فقد تمكن هذا الاسم في المذكر. وأمّا كراع فإنّ الوجه ترك الصرف ومن العرب من يصرفه يشبهّه بذراع لأنه من أسماء المذكر. وذلك أخبث الوجهين. وإن سمَّيت رجلاً ثماني لم تصرفه لأن ثماني اسم لمؤنث كما أنك لا تصرف رجلا اسمه ثلاث لأنَّه ثلاثا كعناق. ولو سّميت رجلا حباري ثم حقرّته فقلت: حبيرّ لم تصرفه لأنَّك لو حقرت الحباري نفسها فقلت: حبيرٌ كنت إنمَّا تعني المؤنَّث فالياء إذا ذهبت فإنما هي مؤنثة كعنيّقٍ. واعلم انك إذا سّميت المذكر بصفة المؤنَّث صرفته وذلك أن تسِّمى رجلا بحائضٍ أو طامثٍ أو متئمٍ. فزعم أنّه إنّما يصرف هذه الصفات لأنَّها مذكرةٌ وصف بها المؤنّث كما يوصف المذكر بمؤنث لا يكون إلا لمذكَّر وذلك نحو قولهم: رجلٌ نكحةٌ ورجل ربعةٌ ورجل خجأةٌ فكأنَّ هذا المؤنَّث وصفٌ لسلعة أو لعين أو لنفس وما أشبه هذا. وكأنَّ المذكر وصف لشيء كأنّك قلت: هذا شيءٌ حائضٌ ثم وصفت به المؤنَّث كما تقول هذا بكرٌ ضامرٌ ثم تقول: ناقةٌ ضامرٌ. وزعم الخليل أن فعولاً ومفعالاً إنَّما امتعتنا من الهاء لأنَّهما إنّما وقعتا في الكلام على التذكير ولكنَّه يوصف به المؤنث كما يوصف بعدلٍ وبرضاً. فلو لم تصرف حائضا لم تصرف رجلا يسَّمى قاعداً إذا أردت صفة القاعد من الزوج ولم تكن لتصرف رجلاً يسمى ضارباً إذا أردت الناقة الضارب ولم تصرف أيضاً رجلاً يسمى عاقراً فإنَّ ما ذكرت لك مذكَّر وصف به مؤنَّث كما أن ثلاثةٌ مؤنثٌ لا يقع إَّلا لمذكرين. ومما جاء مؤنَّثاً صفةً تقع للمذكّر والمؤنَّث: هذا غلامٌ يفعةٌ وجاريةٌ يفعةٌ وهذا رجل ربعةٌ وامرأة ربعةٌ. فأمّا ما جاء من المؤنَّث لا يقع إَّلا لمذكر وصفاً فكأنه في الأصل صفة لسلعة أو نفسٍ كما قال: " لا يدخل الجّنة إلا نفسٌ مسلمةٌ " والعين عين القوم وهو ربيثتهم كما كان الحائض في الأصل صفةً لشيء وإن لم يستعملوه كما أنَّ أبرق في الأصل عندهم وصفٌ وأبطح وأجرع وأجدل فبمن ترك الَّصرف وإن لم يستعملوه وأجروه مجرى الأسماء. وكذلك جنوبٌ وشمالٌ وحرورٌ وسمومٌ وقبولٌ ودبورٌ إذا سمّيت رجلاً بشيء منها صرفته لأنَّها صفاتٌ في أكثر كلام العرب: سمعناهم يقولون: هذه ريح حرورٌ وهذه ريحٌ شمالٌ وهذه الريح الجنوب وهذه ريح سمومٌ وهذه ريحٌ جنوبٌ. سمعنا ذلك من فصحاء العرب لا يعرفون غيره. قال الأعشى: لها زجلٌ كحفيف الحصا د صادف باللَّيل ريحاً دبورا ويجعل اسما وذلك قليل قال الشاعر. حالت وحيل بها وغيّر آيها ** صرف البلى تجري به الرّيحان ريح الجنوب مع الَّشمال وتارةً ** رهم الرَّبيع وصائب التَّهتان فمن جعلها أسماءً لم يصرف شيئاً منها اسم رجل وصارت بمنزلة: الصعَّود والهبوط والحرور والعروض. وإذا سمّيت رجلا بسعاد أو زينب أو جيأل وتقديرها جيعل لم تصرفه من قبل انَّ هذه أسماء تمكنت في المؤنّث واختص بها وهي مشتقةّ وليس شيء منها يقع على شيء مذكر: كالرَّباب والثوَّاب والدَّلال. فهذه الأشياء مذكرة وليست سعاد وأخواتها كذلك ليست بأسماء للمذكر ولكنهَّا اشتقَّت فجعلت مختصّا بها المؤنّث في التسمية فصارت عندهم كعناق. وكذلك تسميتك رجلا بمثل: عمان لأنَّها ليست بشيء مذكر معروف ولكنَّها مشتقّة لم تقع إلاّ علما لمؤنث وكان الغالب عليها المؤنَّث فصارت عندهم حيث لم تقع إلاَّ لمؤنّثٍ كعناق لا تعرف إلا َّعلما لمؤنَّث كما أن هذه مؤنّثة في الكلام. فإن سمَّيت رجلا بربابٍ أودلالٍ صرفته لأنه مذكر معروف. واعلم أنَّك إذا سميّت رجلا خروقاً أو كلابا أو جمالاً صرفته في النكرة والمعرفة وكذلك الجماع كلُّه. ألا تراهم صرفوا: أنماراً وكلابا وذلك لأنَّ هذه تقع على المذكر وليس يختصّ به واحد المؤنَّث فيكون مثله. ألا ترى أنَّك تقول: هم رجالٌ فتذكِّر كما ذكّرت في الواحد فلمَّا لم تكن فيه علامة التأنيث وكان يخرج إليه المذكر ضارع المذكر الذي يوصف به المؤنّث وكان هذا مستوجبا لصرف إذا صرف ذراعٌ وكراعٌ لما ذكرت لك. فإن قلت: ما تقول في رجل يسمَّى: بعنوق فإن عنوقا بمنزلة خروق لأن هذا التأنيث هو التانيث الذي يجمع به المذكَّر وليس كتأنيث عناق ولكن تأنيثه تأنيث الذي يجمع المذكَّرين وهذا التأنيث الذي في عنوقٍ تأنيث حادث فعنوقٌ البناء الذي يقع للمذكرين والمؤنّث الذي يجمع المذكرين. وكذلك رجل يسمَّى: نساءً لأنها جمع نسوةٍ. فأمَّا الطًّاغون فهو اسمٌ واحدٌ مؤنث يقع على الجميع كهيئة للواحد. وقال عزَّ وجلَّ: " والذين وأمَّا ما كان اسّماً لجمع مؤنّث لم يكن له واحدٌ فتأنيثه كتأنيث الواحد لا تصرفه اسم رجل نحو: إبل وغنم لأنَّه ليس له واحد يعني أنهّ إذا جاء اسماً لجمع ليس له واحد كسّر عليه فكان ذلك الاسم على أربعة أحرف لم تصرفه اسماً لمذكّر.
اعلم أن كل مؤنث سميّته بثلاثة أحرف متوالٍ منها حرفان بالتحرك لا ينصرف فإن سميّته بثلاثة أحرف فكان الأوسط منها ساكنا وكانت شيئاً مؤنثاً أو اسماً الغالب عليه المؤنّث كسعاد فأنت بالخيار: إن شئت صرفته وإن شئت لم تصرفه. وترك الصرف أجواد. وتلك الأسماء نحو: قدر وعنز ودعد وجمل ونعم وهند. وقال الشاعر فصرفت ذلك ولم يصرفه: لم تتلفَّع بفضل مئزرها دعدٌ ** ولم تغذ دعد في العلب فصرفت ولم يصرف. وإنمَّا كان المؤنث بهذه المنزلة ولم يكن كالمذكر لأنّ الأشياء كلَّها اصلها التذكير ثم تختصَّ بعد فكل مؤنث شيء والشيء يذكَّر فالتذكير أوّل وهو أشدّ تمكنّا كما أنَّ النكرة هي اشدّ تمكنّا من المعرفة لأنَّ الأشياء إنمَّا تكون نكرةً ثم تعرف فالتذكير قبل وهو أشد تمكّنا عندهم. فالأول هو أشد تمكنا عندهم. فالنكرة تعرف بالألف واللام والإضافة وبأن يكون علماً. والشيء يختصّ بالتأنيث فيخرج من التذكير كما يخرج المنكور إلى المعرفة. فإن سميّت المؤنث بعمرو أو زيد لم يجز الصرف. هذا قول ابن أبي إسحاق وأبي عمرو فيما حدثنا يونس وهو القياس لأنَّ المؤنث اشد ملاءمةً للمؤنث. والأصل عندهم أن يسمىَّ المؤنث بالمؤنث كما أنَّ اصل تسمية المذكَّر بالمذكر. وكان عيسى يصرف امرأةً اسمها عمرو لأنَّه على أخفّ الأبنية.
|